responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 46
[سورة العنكبوت (29) : آيَةً 25]
وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (25)
لَمَّا خَرَجَ إِبْرَاهِيمُ مِنَ النَّارِ عَادَ إِلَى عَذْلِ الْكُفَّارِ وَبَيَانِ فَسَادِ مَا هُمْ عَلَيْهِ، وَقَالَ إِذَا بَيَّنْتُ لَكُمْ فَسَادَ مَذْهَبِكُمْ وَمَا كَانَ لَكُمْ جَوَابٌ وَلَا تَرْجِعُونَ عَنْهُ، فَلَيْسَ هَذَا إِلَّا تَقْلِيدًا، فَإِنَّ بَيْنَ بَعْضِكُمْ وَبَعْضٍ مَوَدَّةً/ فَلَا يُرِيدُ أَحَدُكُمْ أَنْ يُفَارِقَهُ صَاحِبُهُ فِي السِّيرَةِ وَالطَّرِيقَةِ أَوْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ آبَائِكُمْ مَوَدَّةٌ فَوَرِثْتُمُوهُمْ وَأَخَذْتُمْ مَقَالَتَهُمْ وَلَزِمْتُمْ ضَلَالَتَهُمْ وَجَهَالَتَهُمْ فَقَوْلُهُ: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ ... مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ يَعْنِي لَيْسَ بِدَلِيلٍ أَصْلًا وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ تَحْقِيقٌ دَقِيقٌ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ ... مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ أَيْ مَوَدَّةً بَيْنَ الْأَوْثَانِ وَبَيْنَ عَبَدَتِهَا، وَتِلْكَ الْمَوَدَّةُ هِيَ أَنَّ الْإِنْسَانَ مُشْتَمِلٌ عَلَى جِسْمٍ وَعَقْلٍ، وَلِجِسْمِهِ لَذَّاتٌ جُسْمَانِيَّةٌ وَلِعَقْلِهِ لَذَّاتٌ عَقْلِيَّةٌ، ثُمَّ إِنَّ مَنْ غَلَبَتْ فِيهِ الْجِسْمِيَّةُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى اللَّذَّاتِ الْعَقْلِيَّةِ، وَمَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْعَقْلِيَّةُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى اللَّذَّاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ، كَالْمَجْنُونِ إِذَا احْتَاجَ إِلَى قَضَاءِ حَاجَةٍ مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ إِرَاقَةِ مَاءٍ وَهُوَ بَيْنَ قَوْمٍ مِنَ الْأَكَابِرِ فِي مَجْمَعٍ يَحْصُلُ مَا فِيهِ لَذَّةُ جِسْمِهِ مِنَ الْأَكْلِ وَإِرَاقَةِ الْمَاءِ وَغَيْرِهِمَا وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى اللَّذَّةِ الْعَقْلِيَّةِ مِنْ حُسْنِ السِّيرَةِ وَحَمْدِ الْأَوْصَافِ وَمَكْرُمَةِ الْأَخْلَاقِ. وَالْعَاقِلُ يَحْمِلُ الْأَلَمَ الْجُسْمَانِيَّ وَيُحَصِّلُ اللَّذَّةَ الْعَقْلِيَّةَ، حَتَّى لَوْ غَلَبَتْ قُوَّتُهُ الدَّافِعَةُ عَلَى قُوَّتِهِ الْمَاسِكَةِ وَخَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ أَوْ قَطْرَةُ مَاءٍ يَكَادُ يَمُوتُ مِنَ الْخَجَالَةِ وَالْأَلَمِ الْعَقْلِيِّ. إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَهُمْ كَانُوا قَلِيلِي الْعَقْلِ غَلَبَتِ الْجِسْمِيَّةُ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَتَّسِعْ عَقْلُهُمْ لِمَعْبُودٍ لَا يَكُونُ فَوْقَهُمْ وَلَا تَحْتَهُمْ، وَلَا يَمِينَهُمْ وَلَا يَسَارَهُمْ، وَلَا قُدَّامَهُمْ وَلَا وَرَاءَهُمْ، وَلَا يَكُونُ جِسْمًا مِنَ الْأَجْسَامِ، وَلَا شَيْئًا يَدْخُلُ فِي الْأَوْهَامِ، وَرَأَوُا الْأَجْسَامَ الْمُنَاسِبَةَ لِلْغَالِبِ فِيهِمْ مُزَيَّنَةً بِجَوَاهِرَ فَوَدُّوهَا فَاتِّخَاذُهُمُ الْأَوْثَانَ كَانَ مَوَدَّةً بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَوْثَانِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ يَعْنِي يَوْمَ يَزُولُ عَمَى الْقُلُوبِ وَتَتَبَيَّنُ الْأُمُورُ لِلَّبِيبِ وَالْغَفُولِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَعْلَمُ فَسَادَ مَا كَانَ عَلَيْهِ فَيَقُولُ الْعَابِدُ مَا هَذَا مَعْبُودِي، وَيَقُولُ المعبود ما هؤلاء عبدتي ويعلن بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَيَقُولُ هَذَا لِذَاكَ أَنْتَ أَوْقَعْتَنِي فِي الْعَذَابِ حَيْثُ عَبَدْتَنِي، وَيَقُولُ ذَاكَ لِهَذَا أَنْتَ أَوْقَعْتَنِي فِيهِ حَيْثُ أَضْلَلْتَنِي بِعِبَادَتِكَ، وَيُرِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ أَنْ يُبْعِدَ صَاحِبَهُ بِاللَّعْنِ وَلَا يَتَبَاعَدُونَ، بَلْ هُمْ مُجْتَمِعُونَ فِي النَّارِ كَمَا كَانُوا مُجْتَمِعِينَ فِي هَذِهِ الدَّارِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَأْواكُمُ النَّارُ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ يَعْنِي لَيْسَ تِلْكَ النَّارُ مِثْلَ نَارِكُمُ الَّتِي أَنْجَى اللَّهُ مِنْهَا إِبْرَاهِيمَ وَنَصَرَهُ فَأَنْتُمْ فِي النَّارِ وَلَا نَاصِرَ لَكُمْ، وهاهنا مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ قَبْلَ هَذَا وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [العنكبوت: 22] على لفظ الواحد، وقال هاهنا عَلَى لَفْظِ الْجَمْعِ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهُمْ لَمَّا أَرَادُوا إِحْرَاقَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالُوا نَحْنُ نَنْصُرُ آلِهَتَنَا كَمَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ [الْأَنْبِيَاءِ: 68] فَقَالَ أَنْتُمُ ادَّعَيْتُمْ أَنَّ لِهَؤُلَاءِ نَاصِرِينَ فَمَا لَكُمْ وَلَهُمْ، أَيْ لِلْأَوْثَانِ وَعَبَدَتِهَا مِنْ نَاصِرِينَ، وَأَمَّا هُنَاكَ مَا سَبَقَ مِنْهُمْ دَعْوَى النَّاصِرِينَ فَنَفَى الْجِنْسَ بِقَوْلِهِ: وَلا نَصِيرٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ هُنَاكَ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ وَمَا ذَكَرَ الولي هاهنا فَنَقُولُ: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَلِيِّ الشَّفِيعُ يَعْنِي لَيْسَ لَكُمْ شَافِعٌ وَلَا نَصِيرٌ دَافِعٌ، وهاهنا لَمَّا كَانَ الْخِطَابُ دَخَلَ فِيهِ الْأَوْثَانُ أَيْ مَا لَكُمْ كُلِّكُمْ لَمْ يَقُلْ شَفِيعٌ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُعْتَرِفِينَ أَنَّ كُلَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ شَافِعٌ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَدَّعُونَ أَنَّ آلِهَتَهُمْ شُفَعَاءُ، كَمَا قال

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 46
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست